فصل: تفسير الآية رقم (31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (30):

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ} مثل ذلك الإرسال أرسلناك، يعني: أرسلناك إرسالاً له شأن وفضل على سائر الإرسالات، ثم فسر كيف أرسله فقال: {فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ} أي أرسلناك في أمة قد تقدمتها أمم كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء {لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} لتقرأ عليهم الكتاب العظيم الذي أوحينا إليك {وَهُمْ يَكْفُرُونَ} وحال هؤلاء أنهم يكفرون {بالرحمن} بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، وما بهم من نعمة فمنه، فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال هذا القرآن المعجز المصدق لسائر الكتب عليهم {قُلْ هُوَ رَبّى} الواحد المتعالي عن الشركاء {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في نصرتي عليكم {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
{وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا} جوابه محذوف، كما تقول لغلامك: لو أني قمت إليك، وتترك الجواب والمعنى: ولو أن قرآنا {سُيّرَتْ بِهِ الجبال} عن مقارّها، وزعزعت عن مضاجعها {أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرض} حتى تتصدع وتتزايل قطعاً {أَوْ كُلّمَ بِهِ الموتى} فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف، كما قال: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله} [الحشر: 21] هذا يعضد ما فسرت به قوله: {لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الرعد: 30] من إرادة تعظيم ما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن. وقيل: معناه ولو أن قرآناً وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى وتنبيههم، لما آمنوا به ولما تنبهوا عليه كقوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة} [الأنعام: 111] الآية. وقيل: إن أبا جهل بن هشام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سيِّر بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها البساتين والقطائع، كما سخرت لداود عليه السلام إن كنت نبياً كما تزعم، فلست بأهون على الله من داود. وسخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ثم نرجع في يومنا، فقد شق علينا قطع المسافة البعيدة كما سخرت لسليمان عليه السلام. أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا: منهم قصي بن كلاب فنزلت ومعنى تقطيع الأرض على هذا: قطعها بالسير ومجاوزتها.
وعن الفراء: هو متعلق بما قبله. والمعنى: وهم يكفرون بالرحمن {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال} وما بينهما اعتراض، وليس ببعيد من السداد.
وقيل {قُطّعَتْ بِهِ الارض} شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً {بَل للَّهِ الأمر جَمِيعًا} على معنيين، أحدهما: بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها؛ إلا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه.
والثاني: بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان، وهو قادر على الالجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار. ويعضده قوله: {أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الذين ءامَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء الله} يعني مشيئة الإلجاء والقسر {لَهَدَى الناس جَمِيعًا} ومعنى {أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ} أفلم يعلم. قيل: هي لغة قوم من النخع.
وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه؛ لأنّ اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك. قال سحيم بن وثيل الرياحي:
أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إذْ يَيْسُرُونَنِي ** أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ

ويدل عليه أن علياً وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤا: {أفلم يتبين} وهو تفسير (أفلم ييئس) وقيل: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السينات، وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتاً بين دفتي الإمام.
وكان متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية. ويجوز أن يتعلق {أَن لَّوْ يَشَاء} بآمنوا، على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولهداهم {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ} من كفرهم وسوء أعمالهم {قَارِعَةٌ} داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم {أَوْ تَحُلُّ} القارعة {قَرِيبًا} منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها، ويتعدى إليهم شرورها {حتى يَأْتِىَ وَعْدُ الله} وهو موتهم، أو القيامة. وقيل: ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من العداوة والتكذيب قارعة؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم، وتصيب من مواشيهم. أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك، كما حل بالحديبية، حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
الإملاء: الإمهال، وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن، كالبهيمة يملي لها في المرعى وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء به وتسلية له.

.تفسير الآيات (33- 34):

{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)}
{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ} احتجاج عليهم في إشراكهم بالله، يعني أفا الله الذي هو قائم رقيب {على كُلّ نَفْسٍ} صالحة أو طالحة {بِمَا كَسَبَتْ} يعلم خيره وشره، ويعدّ لكل جزاءه، كمن ليس كذلك. ويجوز أن يقدّر ما يقع خبراً للمبتدأ ويعطف عليه وجعلوا، وتمثيله: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه {وَجَعَلُواْ} له وهو الله الذي يستحق العبادة وحده {شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ} أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ونبئوه بأسمائهم، ثم قال: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ} على أم المنقطعة، كقولك للرجل: قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف، ومعناه: بل أتنبؤونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض، فإذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم، والمراد نفي أن يكون له شركاء. ونحو: {قُلْ أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السموات وَلاَ فِي الأرض} [يونس: 18]، {أَم بظاهر مّنَ القول} بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة، {ذلك قَوْلُهُم بأفواههم} [التوبة: 30]، {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: 40] وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق ذلق: أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه، فتبارك الله أحسن الخالقين. وقرئ: {أتنبئونه} بالتخفيف {مَكْرِهِمْ} كيدهم للإسلام بشركهم {وَصُدُّواْ} قرئ بالحركات الثلاث.
وقرأ ابن أبي إسحاق: {وصدّ} بالتنوين {وَمَن يُضْلِلِ الله} ومن يخذله لعلمه أنه لا يهتدي {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} فما له من أحد يقدر على هدايته {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياة الدنيا} وهو ما ينالهم من القتل والأسر وسائر المحن، ولا يلحقهم إلا عقوبة لهم على الكفر، ولذلك سماه عذاباً {وَمَا لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} وما لهم من حافظ من عذابه. أو ما لهم من جهته واق من رحمته.

.تفسير الآية رقم (35):

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
{مَّثَلُ الجنة} صفتها التي هي في غرابة المثل، وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف على مذهب سيبويه، أي فيما قصصناه عليكم مثل الجنة. وقال غيره: الخبر {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} كما تقول: صفة زيد أسمر، وقال الزجاج: معناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار، على حذف الموصوف تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد.
وقرأ علي رضي الله عنه {أمثال الجنة} على الجمع أي صفاتها {أُكُلُهَا دَائِمٌ} كقوله {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33] {وِظِلُّهَا} دائم لا ينسخ، كما ينسخ في الدنيا بالشمس.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)}
{والذين ءاتيناهم الكتاب} يريد من أسلم من اليهود، كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما، ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلاً: أربعون بنجران، واثنان وثلاثون بأرض الحبشة، وثمانية من أهل اليمن، هؤلاء {يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحزاب} يعني ومن أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة نحو كعب بن الأشرف وأصحابه، والسيد والعاقب أسقفي نجران وأشياعهما {مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} لأنهم كانوا لا ينكرون الأقاصيص وبعض الأحكام والمعاني مما هو ثابت في كتبهم غير محرف، وكانوا ينكرون ما هو نعت الإسلام ونعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما حرّفوه وبدّلوه من الشرائع.
فإن قلت: كيف اتصل قوله: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} بما قبله؟ قلت: هو جواب للمنكرين معناه: قل إنما أمرت فيما أنزل إليّ بأن أعبد الله ولا أشرك به. فإنكاركم له إنكار لعبادة الله وتوحيده فانظروا ماذا تنكرون مع ادعائكم وجوب عبادة الله وأن لا يشرك به {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} [آل عمران: 64] وقرأ نافع في رواية أبي خليد: {ولا أشرك} بالرفع على الاستئناف كأنه قال: وأنا لا أشرك به ويجوز أن يكون في موضع الحال على معنى: أمرت أن أعبد الله غير مشرك به {إِلَيْهِ أَدْعُو} خصوصاً لا أدعو إلى غيره {وَإِلَيْهِ} لا إلى غيره مرجعي، وأنتم تقولون مثل ذلك، فلا معنى لإنكاركم.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
{وكذلك أنزلناه} ومثل ذلك الإنزال أنزلناه مأموراً فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة إليه وإلى دينه، والإنذار بدار الجزاء {حُكْمًا عَرَبِيّا} حكمة عربية مترجمة بلسان العرب، وانتصابه على الحال. كانوا يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمور يوافقهم عليها منها أن يصلي إلى قبلتهم بعد ما حوّله الله عنها، فقيل له: لئن تابعتهم على دين ما هو إلا أهواء وشبه بعد ثبوت العلم عندك بالبراهين والحجج القاطعة، خذلك الله فلا ينصرك ناصر، وأهلكك فلا يقيك منه واق، وهذا من باب الإلهاب والتهييج، والبعث للسامعين على الثبات في الدين والتصلب فيه، وأن لا يزلّ زالّ عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة، وإلا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدّة الشكيمة بمكان.

.تفسير الآيات (38- 39):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
كانوا يعيبونه بالزواج والولاد، كما كانوا يقولون: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، وكانوا يقترحون عليه الآيات، وينكرون النسخ فقيل: كان الرسل قبله بشراً مثله ذوي أزواج وذرية. وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم ولا يأتون بما يقترح عليهم، والشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات؛ فلكل وقت حكم يكتب على العباد، أي: يفرض عليهم على ما يقتضيه استصلاحهم {يَمْحُواْ الله مَا يَشَاء} ينسخ ما يستصوب نسخه، ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته، أو يتركه غير منسوخ، وقيل: يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة؛ لأنهم مأمورون بكتبة كل قول وفعل {وَيُثَبّتْ} غيره.
وقيل يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة، ويثبت إيمانهم وطاعتهم. وقيل: يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضاً من الأناسي وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها، والكلام في نحو هذا واسع المجال {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ، لأنّ كل كائن مكتوب فيه. وقرئ: {ويثبت}.